هل مات حبنا؟
سنوات غياب طويلة فرقت بيننا
لم أستطع أن أنتزعها من نفسي،
لقد ظلت كما كانت دائما نقطة من نقاط الضوء تسللت في غفلة وأضاءت في حياتي كل شيء .. ثم رحلت.
لم أكن محظوظا يوم أضاءت،ولم أكن محظوظا يوم رحلت؛لقد أضاءت لتترك بعدها صمتا وفراغا،
ورحلت لتترك بعدها حزنا ووحشة.
غيبة هذه الحياة، تجمعنا بوجوه كثيرة تتعدد أشكالها وألوانها وصفاتها،ولا نجد أنفسنا إلا في وجه واحد حتى يخيل إلينا أننا نرى العلم من خلاله.
تتشابه أمامنا كل الوجوه، وتتوحد أمامنا كل الصور ونشعر أن الضوء لا يصل إلى عيوننا إلا من خلاله، وأن الدنيا تدور بنا وتدور لكي تحملنا ولو بعد عشرات السنين لنجد أنفسنا أمام صورة قديمة لا نراها خارجنا لأنها تعيش داخل أعماقنا.
وجه وحيد نراه ونظل نطارده بقية عمرنا، نحاول أن نسترجع الأيام ونستعيد الزمن،نحاول أن نوقف مسيرة الأشياء والحياة ولا نستطيع، ولا نملك شيئا أمام هذا كله غير أن نجمع أشلاء أيامنا الراحلة ونعيش عليها.
دارت في رأسي كل هذه الأشياء وأنا لا أصدق أنني أراها؛فرقتنا سنوات طويلة غيرت فينا أشياء وبقيت في داخلنا أشياء.
تغير العمر والحلم والسعادة وبقى الصدق؛ إننا لا نحب فقط صدق الآخرين،إننا نحب قبله صدقنا مع أنفسنا.
لقد بقيت في داخلي شيئا لا يتغير،كأنما أغلقت على نفسها بابا في أعماقي يوم رحلت ولا يملك أحد غيرها حق الدخول إليه والاقتراب منه.
مازال بريق عينيها وإن كانت الأيام قد تركت خلفه بقايا حزن،مازال عطرها الذي أعرفه وأن كانت الأيام جعلتني أكثر اشتياقا له ولها.
ومازالت ابتسامتها وشموخها القديم.
أحيانا نشعر أننا غرباء عن كل الأشياء حولنا،وأسوأ أنواع الغربة أن تشعر أنك غيب عن نفسك،هناك فواصل تقف بينك وبينها،هناك سدود تقطع التواصل،وقد نحب أنفسنا في شخص آخر كما نحب عمرنا في أعمار غيرنا.
إن الغربة ليست ظواهر هجرة أو بعد أو فراق؛فليس كل مهاجر غريبا، وليس كل غريب من ودع أرضا أو وطنا؛لأننا قد نصبح غرباء ونحن لم نودع أوطاننا، وقد نهاجر ونحن مقيمين.
ما قيمة أن نحب وكل الأشياء حولنا لا تؤمن بالحب، ما قيمة أن تغني ولا تجد أحدا يسمعك، ما قيمة أن نتمسك بالأمانة ونحن نعيش بين اللصوص،أو نتمسك بالشرف في بيوت السوء؛كل هذه الأشياء تجعلنا دائما غرباء.
إنني لا أحب فيك امرأة تسللت إلى أعماقي يوما،وأخذت بعض سنوات عمري ورحلت؛إنني أحب فيك زمانا واسعا من الطهر والأمن والصفاء.
لقد أحببت فيك لحظات صدق لا أستطيع أن أعيشها الآن؛أحببت فيك زمانا من البراءة في غابة متوحشة،أحببت فيك عمري وزمني الذي لن يعود.
قالت: ماذا بقى مني؟
قلت: كثير من الحزن، قليل من الحلم،وسؤال حائر لم أجد له جوابا .. لماذا افترقنا؟
قالت: لأن إحباطات زماننا كانت أقوى من كل نبض مشاعرنا.
قلت: ولكن الحب أقوى من كل شيء.
قالت: هذا كلام الشعراء؛الحب يقتل مثل كل الأشياء،إذا كنا نقتل الإنسان ألا نستطيع أن نقتل الحب؟
قلت: الإنسان جسد يرحل، ولكن الحب مشاعر تبقى.
قالت: الحب يتنفس مثل كل الأشياء ويختنق أيضا مثل كل البشر.
قلت: ولكنه يعيش في داخلنا
قالت: ويموت أيضا في داخلنا، لا نستطيع أن نبقيه ولا نستطيع أن نتخلص منه ونموت معه
قلت: هل مات حبنا؟
قالت: نحن الذين متنا بعده